أمنة أحراث - جمال الدين الموساوي
عثمان لم يمت... هكذا همست مريم للأريكة اللعينة بحرقة، صرخت بكل ما تملك من قوة حتى ارتجت جدران الغرفة : "لا ، لا يجب للحكاية أن تقف هنا"... لأنها بكل بساطة لاتعرف معنى الهزيمة و لم تذق طعمها أبدا. قلبها يعتصره ألم لم تحس به من قبل، لا تريد ان تستسلم أو تتنازل، لازال بداخلها مايحثها على الاهتمام بهندامها واقتناء الماركات المشهورة ورش العطور الغالية كي تكون مهيئة للحدث أينما تواجد، لكن الوضع اليوم لم يعد يحتمل لأن عثمان استطاع أن يحطم كبريائها و ينصرف. قصة فشل الحب الذي توجه نحو طرف واحد يجب أن تظل سرية للغاية، لا يجب أن يعلم أحد بالموضوع، ستعمل جاهدة على تسويء سمعة عثمان إن علم احد بالأمر، هذا مافكرت به في قرارة نفسها. لا أحد يعلم أن عثمان قد استراح للأبد، راحة من المسؤولية، راحة من تعذيب الضمير و راحة من تبعات فشل قصص حبه. كان يرتجف يوم لقاء القاضي... خوف ممزوج بعدم مجيئها للمحكمة، خوف من ردة فعل لم يحسبها جيدا و خوف من مصيره وحيدا بعد الفراق. مئات الأسئلة كانت تحوم حول فكره وتحاول ان تفرض نفسها في موقف طال بانتظار الوقت المخصص للوقوف أما القاضي. كاد أن يغمى عليه من شدة الفرح حين انتهى اللقاء... حكمت المحكمة لصالحه فخرج بعد أن كتب رسالة هاتفية قصيرة:" انتهى كل شيء و أنا اليوم حر طليق". حريته جعلته يركض بسرعة دون أن يلتفت وراءه و كانه هارب من الماضي الذي لم ينصفه أبدا، فرحته الممزوجة بالخوف و الألم و الحرية وراحة الضمير جعلته يجري بكل ما أوتي من قوة حتى يفصل جميع الشرايين المتصلة بكل الذكريات و يقطع دابرها. حاول أن يضحك بأعلى صوت لكنه تذكر أنه في الشارع لذلك تمالك نفسه قليلا وقام بحركة يرددها الشباب حين ينتصرون.
بعد غياب طويل دام سنتين لم اعرف شيئا عن الاريكة فلم تكن تريد ان ترحل عن وطنها رغم انها تحب فرنسا بكل ما اوتيت من قوة لقد فعلت ما بوسعها هنا لكي لا تسمع شيء عنه تركته يواصل الطريق بمفرده هو يقول :احس بأن المسافة بيني وبينها لم تعد كبيرة شعور انتابه وهو امام البحر يراجع مافاته وما وقع لبعض اصدقائه من احداث منهم من كره النساء كرها ابديا ومنهم من طلق الحياة برمتها هاربا من تعاسة الحياة لينقد نفسه ويعيش لذاته. قال بصوت خافت : اصدقائي ليسو مثلي غارق في لذة العشق احتسي ادمان الاريكة من نافورة الحياة كنت متيقن وأعلم باقتراب هذه اللحظة فالاريكة لم تعد كما كانت تلك المطيعة التي عشقتني بجنون وحاربت الدنيا من اجلي روادتني افكار كثيرة حولها ترى هل ما زالت تحبني ام مسحت كل احاسيسها اتجاهي من حاسوبها العاطفي حالتي لم تستقر بعد ولا زلت اخوض حربا ضروسا بين عقلي وقلبي لكن مرحلة الخطر قد مرت تنهد حين وصلته رسالة لا عنوان عليها ، ترى من يكون او تكون فتحها ودقات قلبه تتزايد لا يعلم سبب ذلك أخذ الورقة ولمحت عيناه الخط المكتوب عرفه مباشرة اذن هي صاحبتها قرأ ما دوّن على الورقة بصوت مرتفع وهو يرتجف من شيء ما بعد السلام : يا عاشق الاريكة لقد وصلت اليوم الى فرنسا اه كم اشتقت لهذه الارض واليك ..... اكتب اليك وانا في المستشفى رأيت من واجبي أن اخبرك فأنت سبب تعاستي واقرب الناس الي رغم البعد والمشاكل فأنت تذكر وجودي رغم الغياب وانا كذلك. لم يستطع ان يستوعب الامر وهو يسير في اتجاه البيت لم يعرف كم استغرق من الوقت للوصول لم يلفت احدا من الجيران كان مرفوعا للسماء حنين انتابه بعد قراءة الرسالة اراد ان يختلي بنفسه بعيدا عن ضوضاء وصخب الحياة اراد ان يخصص ما حدث اليوم للتفسير و التحليل وان يربطه بالموجودات اراد ان يتحسسها وهي منزوية في ركنها مزينة كما قال سابقا تشتهيه حين يجلس عليها وهي تحاوره وتداعبه بين الفينة والاخرى تنهد قائلا هنا كنت ومن هنا كنت تمرين وتجلسين ووووووو دس جسده تحت الغطاء كما كان يفعل سالفا بحضور الاريكة لا بغيابها اراد ان يعيد طقوس الحياة كما في السابق لم يستطع ان يغمض عينيه وقد طار النعاس عن جفونه بالكامل ....لم ينام لكي يستيقظ او ليرتاح فهو وحده يداعب الوحدة والفراغ بعيدا عن تفاهة الحياة وسقمها غادر سريره كأنه يبحث عن شيء سار باتجاه الخزانة في الغرفة الموالية كان هناك صندوق صغير يحوي كل ما يربطه بها فتحه واذا به يخرج منه كل ذكرياته سافر مع تلك الاشياء بعيدا وفجأة تذكر شيء ما .